أربيل و إسرائيل
في زمنِ الاعتداءاتِ الصهيونيةِ المتكررة على سوريا وفي لبنان و سيطرتها على و غاراتها على حدود العراق و سوريا و أحياناً داخل العراق لا يسعنا إلا أن نرفضها و نعترض عليها و ننادي بوقفها و ننادي بمقاومة الصهيونية، كمبدأ حياة لنا إلى نتحرر منها ومن شرورها. و ننادي بتوقف أي اعتداء على أرض أي دولةٍ عربية. و ننادي بتفاهمٍ عربي مع إيران و تركيا تقوده المصالح المشتركة دون اعتداء من واحدٍ على الآخر. لكن هذا التفاهم العربي الكلي معهما غير موجود وفي أحسن أحواله مبهم إلا من علاقاتٍ ثنائية تقودها المصالح بين دولتين. ولذلك نجدُ في قصفِ أربيل اعتداءً و إيران اعترفت بذلك. لكنها قالت إنه الرد على الاعتداء الصهيوني الذي قتل عنصرين من حرس الثورة في سوريا، وقبلها كثير. لكن لماذا لم ترد إيران على الصهيونية في سوريا أو في الداخل الفلسطيني المحتل؟ الأسباب التي تتم تداولها تراوحت بين الانتقام لقاسم سليماني، لأن القصف الإيراني تم في نفس ساعة إغتياله في بغداد، وأنه دلالةٌ على معرفة إيران بمراكز للصهيونية في العراق. قد يكون.
كعرب نقرأُ هذا الحدث و أحداث كثيرةً غيره بأنهُ الدليل القاطع، و للأسف الدليل المؤلم، على انتقاص السيادة العربية و في هذه الحالة السيادة العراقية على أراضيه. الدليل يستندُ على حقائق والحقائق هي:
تصول و تجول القوات الأمريكية بصنوفها في العراق بلا ممانعٍ حقيقي و عبر حدوده تنتقل لسوريا بقواتها و عتادها. هي باعترافها اغتالت قاسم سليماني في بغداد. إن كان وجود القوات فيه بعضُ المبررات لاتفاقٍ بين العراق والولايات المتحدة، فإن الاغتيال هو جريمةٌ واضحةُ المعالم و لا تغطيها اتفاقيات. إلا حكم القانون الذي بالطبع تتملص منه القوات الأمريكية باستمرار و هو خرْقٌ للسيادة بكل المعايير. و لم تستطع الدولة العراقية منعها أو محاسبة مرتكبيها. و لم يكن قاسمي و زميله العراقي أول المقتولين و لا أهمهم في سلسلة القتل التي طالت العالم و السياسي و القائد والكاتب العراقي في العراق. فما هي السيادة هذه؟
"كردستان" العراق هي دولةٌ داخل دولة لها جيشها و حدودها و مخابراتها وصلاتها الخارجية و ليس لبغداد عليها من قولٍ أو قرار. من الأراضي التي تسيطر عليها تنتقل القوات و الأعتدة الأمريكية لسوريا المحتلة في الشمال الشرقي الذي تسيطر عليه رديفتها "قسد" المدعومة للثمالة من أمريكا. و عبر الحدود تنتقل الصهاريج النفطية في رحلةِ تسويقٍ لثرواتٍ مسروقة من سوريا تُباع بقدرة قادر دون ملاحقات الحكومة العراقية في بغداد و لا بالتأكيد "كردستان" العراق. و بحماية أمريكا. فأين السيادة؟
تستمر كذلك تركيا في فرضِ أمرها الواقع في الأراضي العراقية بهجماتٍ برية و جوية و بتمركزٍ داخل العراق. احتجاجات العراق لا تلقى إلا الآذان الصمَّاء في أنقرة.
بموازاة القوات العراقية الرسمية تتواجد قوى تتسمى بالمقاومة. لكن ولائها للعراق هو بقدر ما هو لإيران و هو ولاءٌ، للأسفِ مرةً ثانية، تشوبه الطائفية و تغذيه. لا يساعد وجود جيوشٍ طائفية على ترسيخ مبادئ السيادة أبداً. كما لا يبعث على الاطمئنان التوجه السياسي السُنِّي لتشكيل أفواج مقاتلة هي الأخرى لا نعلم إن كانت لمواجهة الطائفة أم داعش أم الاستعمار المتجدد.
نعم نلوم إيران لاستباحتها أربيل و نلوم أمريكا و نلوم العراقيين عرباً و أكراداً للقبول بالاستباحة من كل لون و نلوم الطائفية التي تستولدُ جيوشاً في وقتٍ ينبغي فيه للدولةِ الحاضنة أن تحتوي الجميع. و لكننا نلوم "كردستان" العراق أكثر لصلاتها المريبة بالصهيونية؟ قبل أشهر اجتمع دعاة التطبيع هناك و قامت القيامة الرافضة في باقي العراق. و ذابت القيامة! أكانَ الاجتماع دعوةً و جس نبض؟ كانَ قطعاً. هل يعقل أن يحصل دون موافقة رسمية من سلطات "كردستان"؟ لا يمكن. العلاقات الكردية الصهيونية لم تنقطع منذ عقود و هدفها كان للأكراد الاستقواء على بغداد و للصهاينة تقويضها. بين ١٩٩١ و ٢٠٠٣ اكتمل الحلم. هل نستغرب أم ننكر وجوداً صهيونياً كاملاً في "كردستان" العراق؟ حتماً لا، و إيران كما العراق تعرفان ذلك. هل ليس هذا الوجود انتهاكاً للسيادة العراقية؟ بالقطع. لا وجود لفرقٍ بين انتهاكٍ و آخر إنما هي زاوية اعتبارك له و مدى قدرتك على رفضه. لا تبدو بغداد بقادرةً على الرفض و لو أرادت ذلك فأمريكا وإيران و"كردستان" أقوى. و إلى أن تقوى بغداد عليهم فلن يكون لها إلا السيادة الناقصة و أقل أوجهها مثل استدعاء السفير الإيراني للاحتجاج.
إننا نتجرع المرارة هذه بحُرقةٍ. نريدُ النصر على الصهيونية وهزيمتها. و نريدُ أن تأتي هزيمتها على يدينا. و لكن أيدينا مربوطةٌ بالتطبيع و انتقاص السيادة و سواد الطائفية. فلماذا عندما تنتقم إيران نستصرخ السيادة ضدها و هي منقوصة؟ إن إيران تقوم بالنيابة عنا بالمقاومة و مقارعة الصهيونية. هذا هو فهمها الذي ترفضه الدول العربية لكنه فهمها المستند على قوة و رفضنا المستند على ضعف. و في هذين خللٌ واضح. الخلل الأساسي هو رفضنا للمقاومة و هو واجبنا الأول كعرب؛ و الخلل الثاني هو الاستقواء علينا من الجميع ورفضنا فقط استقواء إيران بينما تخترقنا و سيادتنا أشكال الانتهاكات التي نسكت عنها. الحقيقة لاذعةٌ و مُرَّةٌ.