سقطة الشاطر
سقطت روسيا بغزوها لأوكرانيا. خالفت القانون الذي التزمت بهِ و استخدمته لتهاجم الولايات المتحدة في غزواتها على عديد الدول.لا يمكن أن تتمسك بقانونٍ ثم تنقلبَ عليه، و لكن روسيا فعلت ذلك. و لا يمكن أن تقول أن غريمك سواء كان الولايات المتحدة أم أوكرانيا فعل ذلك أو ذاك، فالخطأ لا يبرره خطأ. إن هذه السقطة ستكون مكلفةً جداً لروسيا التي ستجد مع الأيام أنها معزولةً في عالمٍ لا تسيطرُ فيه على الإعلام و الاقتصاد و المال. و هي مُكلفةٌ لأن الغزوة تدفع روسيا لمزيدٍ من التوغل في وحل أوكرانيا قد ينتهي بتقسيمها لشرقٍ و غرب، مثلما برلين، و التي يبادر شعبها بالدفاع عنها و مهما كانت مقدرته العملية فإن مجرد الفعل و الإعلان عنه يضع أوكرانيا بموقع الضحية و روسيا بموقع المعتدي.
لستُ أوافق روسيا بما فعلت و لم أوافقَ الولايات المتحدة فيما فعلت و ليس لهذا الرأي من قيمةٍ! ليس للكثير من الآراء قيمة في عالم تقوده المصالح و لا تقوده المثاليات. في عالمٍ تقوده القوة الغاشمة. الفرق بين قوةٍ و قوةٍ غاشمةٍ هو من حولها من حلفاء و ما تملكه معهم من قدرات تستطيع من خلالها أن تُبرِّرَ غزوتها و اختراقها الفاضح لحقوق الدول. لقد استطاع الغرب أن يفعل ذلك مراراً متسلحاً بالقوة العسكرية و بقوة المال و الإعلام. و ها نحن نرى كيف يواجهون روسيا مالياً و اقتصادياً و إعلامياً و بالحشد الدبلوماسي العالمي و بالطبع بتقوية أوكرانيا و تشجيع الدول الأوروبية الانضمام للحلف الأطلسي. فماذا ستفعل روسيا لو انضمت فنلندا للحلف و هي على تداخلٍ حدودي معها و جيرةٍ جغرافيةٍ في سقف العالم و تشابهٍ لغوي و حياتي؟ هل ستوقفها بالقوة؟
تضيقُ خيارات الدول أمام الضغوطِ المتوالية فتبادر بالهجوم. و قد تكون الضغوط نسيجاً من الفخاخِ المنصوبةِ لها. و ليس بقدرتنا أن نسبر أغوار عملية أخذ القرار بالهجوم أو عدمه، لكننا رأينا كما أذاعته روسيا اجتماعاً اصطف فيه قادةٌ مثل التلاميذ أمام المدرس يلقون بآراء مكررة و بعضهم تلعثمَ و استحقَ ابتسامةً خفيفةً ماكرةً من الأستاذ. تَبِعَ ذلك خطاباً عاطفياً للرئيس ثم تحركت القوات. لأسابيعَ سابقة تكلمت حكوماتٌ غربيةٌ و إعلام عن ذاتِ التحرك الروسي في أوكرانيا. هي دولٌ بأقمارٍ في السماء تلتقط الشارد والوارد و لا يخفى عليها شيئٌ فيهِ شبهةَ الغزو. فهل كان من لزومٍ لاجتماعٍ فيهِ ما فيهِ من إظهارٍ لقدراتٍ محدودة و بعضها محفوظ؟ و هل لا تدري روسيا أن حشودها مكشوفة؟ وهل لم تتوقع أن خرقها للحدود سيثير آلةً من العقوبات المعقدة التي ستبقى لسنوات؟ هل لم تعلم أن عدد الدول المؤيدة لها و قيمتها خجولةٌ أمام الغرب القابض على الأرصدة و دورة المال و الأعمال؟ و هل لم تُقَدِّرْ أن دولاً مترددةً مثل السويد و فنلندا قد تعبر ترددها لحضن الناتو؟ بالتأكيد توقعت و خططت و اتخذت القرارات المضادة. و لكنها، رغم التبريرات، أعادت للأذهان تاريخ الاتحاد السوڤييتي. تاريخٌ ليسَ مقبولاً للدول التي تركته و انضمت للغرب طوعاً، و لا لمن وقفت على حيادٍ حذرٍ فأتى الغزو ليقنعها أن التحالف مع الناتو أفضلَ تأمينٍ لمستقبلها.
هل أخطأت روسيا؟ نعم. و هل لم يخطأ الغرب. بالتأكيد أخطأ و سيخطأ. و لا من تبريرٍ و لا من عواطفَ لأيهما. غير أن سيلاً من العواطف المؤيدة لروسيا اجتاح الكثير من التعليقات. عواطف ليست لروسيا بقدر ما هي ضد الغرب. إنَّ السَئَمَ من تسلط الغرب و الرؤيةَ في روسيا القدرة على وقفه لا يتغير لعالمٍ متوازن بغزو أوكرانيا. و قد تكون الحقيقة المُرَّة هي في ميل العالم للغرب منه للتوازن بتبني موقف روسيا. فمن يقف مع روسيا اليوم هي دولٌ إما في تصادم علني مع الغرب و إما في تنافسٍ مرير، مثل الصين. و كلها لا تستطيع الانفكاك عن الغرب المسيطر كما قلت مالياً و اقتصادياً و إعلامياً. و أعتقد أن الصين ستفكر لمائة عام قادمة قبل أن تستعيد تايوان!
خلاصةً، لقد اهتزت قِطعُ الدومينو و ستتساقط أما كيف و أين ستنتهي فالأيام كفيلةٌ بإخبارنا.