الدم البارد و الشجرة

باتَ يبعثُ في النفسِ الغثيانَ هذا التعبيرُ عن القتلِ "بالدمِ البارد" و كأنهُ أسوأَ من القتل بالدمِ الدافئ أو الساخن.  وكذلك التعبير المستخدم بالنزول عن الشجرة.  التعبيرين من ترجماتٍ من الإنجليزية استدلَ عليها العرب فأثخنوا سمعنا بذكرهما. و غيرهما الكثير من التعابير. مثل كلمةِ الشفافية و كلمةِ الجندرة. لكننا سنبقى في دائرة الدم و الشجرة بفلسطين حيث الدمَ الفلسطيني يروي الثرى المقدس.

 

قام العدو الصهيوني بقنصِِ سيدتين، والدةٌ و ابنتها، في دَيْرٍ بغزة، فقتلهما، بدمٍ باردٍ. في جولة الحرب الأخيرة دمهُ البارد هذا الصهيوني قتل عشرين ألف فلسطيني و أوقع ٥٣ ألف جريحاً، و طوال ٨٠ عاماً مضت كان هو يفعلُ ذلك.  إن كان دمهُ باردٌ و قاتلٌ فالدم العربي الساخن، الذي حسب الأساطير لا يسكت على ثأر، يبدو لا وجودَ له، فهو كالكحول، يتطاير ويتبخر دون أي جهدٍ،  فالدم البارد الصهيوني يصنع المذابح و الدم الساخن العربي نائمٌ. كأن الوصفَ بالدمِ الباردِ سيزيدُ من دونيةِ العدو و لعنتهِ الأزلية لدينا و يشجعُ من لا يعلم حقيقته ليعلمها و يتقزز منها ويقف معنا. و قليلٌ في العالم من المؤثرين من يفعل ذلك. فلنبحث عن وصفٍ آخر للقتل؟ لا أدري. كل الأوصاف الدونية و الواقعية تم استعمالها ولم يتأثر بها هذا العدو ليتوقف عن القتل و لا تؤثر التعابير بمن يدعمه بل و أنها لا تؤثر ببعض العرب، الراقصة.  يبدو أن الكثير هم بلا دمٍ باردٍ أو ساخن. بل دمٌ بليدٌ.

 

و يغيظ كذلك تعبير إنزال النتن ياهو عن الشجرة. كأنهُ قردٌ اختطف منا موزةً نراوغهُ ليرميها. تعبيرٌ فيهِ الكثير من القبول بالحرص على سلامة النتن و كبريائه، عندما يقتنع بالنزول. فإن نزلَ سرعان ما يصعدُ قردٌ غيره لأعلى الشجرة. و الحل هو إما بقطع الشجرة أو حبس القردة! و ما هي هذه الشجرة؟ إنها المذبحة. أن نقولَ أن  المذبحة شجرة هي كنايةٌ سمجة.  لكن الإعلاميين يحبون هذه التعابير و يملأون الأفواه بها و سرعان ما يتحدث بها الجميع. تعابير تغطي عن الدم و هي تغرق فيه.

 

في نفس السياق، من يُصَرِّحْ بوضوح في مسألةٍ خطيرة ثم عندما يُهاجم يقول أنه "أُسيئَ فهمهُ"! و من هذا الكثير، آخرهم حسين الشيخ و موسى أبو مرزوق. و من التعابير المضحكة أن يُقالَ ب "توجيه الصفعة" حين من المفترض أن تتخيل مصفوعاً يضعُ يدهُ علي الخد و ينسحبُ ذليلاً. والواقع أن ردودَ المصفوعَ عادةً ما تكون علي شكل قنابلَ من زنةِ الطن لكل قنبلة.  و من التعابير "دفع الثمن الباهظ" كنايةً عن الخسارة و لا تدري ما هو الثمن الذي دُفِعَ ولماذا لا يُفلس و يُقفلُ ابوابهُ و يرحل هذا العدو بعد دفعِ هذه الأثمانِ الباهظة.  و منها "نملك الحق في الرد بالوقت والمكان المناسبين" و الظرفان لا يأتيان، أبداً.   

 

لن تتوقف التعابير لطبيعةِ الحال العربي المُغرم بالاستعارات اللغوية و استقرار تفكيره بفائدة الاقتباس من الإعلام و التحليل الغربي.  و كذلك لعدم قدرة العربي أن يكون حُرّاً في التعبير الصحيح عن الوضع العربي الباهت و المستسلم، إلا المقاوم.  تقرأ و تسمع للعربي فلا يلفت انتباهك إلا القليل. و ترانا نجري وراء سيمور هيرش و ديڤيد هيرست و الدوريات السياسية الغربية لدخولهم دون سجعٍ واستعارات للعصب المؤلم، من وجهةِ نظرهم.

 

لذلك "سنمضي قُدماً" "لتعريةِ" المواقف العربية مؤمنين تماماً ب "و ما رميتَ إذ رميت و لكن الله رمى" و عبارات المقاومين الحفاة وهم يستبدلون الكلمة بالقذيفة ليكتبوا تاريخنا من جديد. 

Previous
Previous

الرد العربي  في زمن "الباكس الصهيونية"

Next
Next

حقدٌ صهيوني و أنا عربي: أكونُ أو لا أكون؟