حقدٌ صهيوني و أنا عربي: أكونُ أو لا أكون؟

 بكل عزمها و حقدها هاجمت الصهيونيةُ المستوطنةُ المجندةُ سيدةً فلسطينيةً على أبواب الأقصى ودفعتها بقوةٍ صاعقةٍ لتقعَ أرضاً مُغمىً عليها.  لم يوقف المجرمةَ الصهيونيةَ أحدٌ و استدارت هي كأنها لم تفعل شيئاً.  لم تكن السيدة الفلسطينية تحتج، لتبرير الاعتداء الهمجي عليها، بل كانت تسير مع غيرها في زقاقٍ مقدسي. كل ذنبها أنها فلسطينية.  يومها اجتاح الأقصى الآلاف من اليهود الصهاينة ليحتفلوا و واقع حالهم يقول للمسلمين أن الأقصى بيدهم و لهم و قريباً سيكون معبدهم.  تزامنَ هذا القبح مع افتتاح متحفٍ تحت طبقات الأقصى يؤكد ادعاءاتهم التي نعرف أنها مزيفة و يصدقها العالم.  لكنكم تعرفون هذا الحقد الذي صارَ حدثاً يومياً لا يُحَرِّكُ فينا ساكناً. علي بُعْدٍ غير بعيدٍ إِلْتَمَّ في كثيرٍ من عواصم العرب عشرة آلاف عربي و يزيد حول مطربين تراقصوا فرقصوا معهم و غَنُّوا.  هم لم يعلموا بالسيدة و إن علموا فلم يهتموا كثيراً.  و أبعدَ من هناك وصل وزيران صهيونيان للسياحة و الإتصالات لحضور مؤتمرين دوليين عاصمةً عربيةً و لم يضيعا الوقت بالمؤتمرين كما أضاعوه بالتجول و التدليل على حُسنِ الاستقبال العربي لهما و لم ينسى أحدهما أن يقيم الصلوات التلمودية بفندقه ضمن حقَّهِ ممارسة حرية التدين التي يرضاها المسلمون عقيدةً و يرفضها الصهيونيون للمسلمين و المسيحيين حقداً و كراهيةً.   

 

لا أستطيعُ أن أنتقدَ التطبيع العربي مع الصهيونية انتقائياً. العرب يرون بكل وضوح أن بعض رجالات فلسطين وَالِغونَ في الطبقِ الصهيوني تنسيقاً و تدبيراً فلماذا يُطلبُ من العرب أن يتراجعوا عن التطبيع حينما يرون فيه مصلحتهم؟  و هل سيصدقون التصريحات الفلسطينية أن التطبيع سيضر القضية؟ فما هو أخطر وأسوأ للقضية من تطبيعٍ فلسطينيٍّ يلاحق المقاومين و يستخونهم؟ و لا أستطيعُ انتقادَ الآلاف من العرب المستمتعينَ بالطَرَبِ و توابعهِ.  عندما يَختفي من ثقافةِ الشعوب العربية الحَثَّ و الحماسَ الوطني تذكيراً بالأوطانِ و الحقوق السليبة فلن يبقى في الشعوب من رغبةٍ إلا التطبيلَ. هنا بالطبع تعميمٌ قد لا يجوز لأن كثيراً من العرب يشعرون بالاحتلال و يتألمون منه و من الاستعمار بأشكالهِ و من الخنوع له لكن حولهم وقوتهم هؤلاء العرب مقيدةٌ و ضعيفةٌ و خافتةٌ مقارنةً مع صوت الباطل.  نحن أمةٌ تحولت أكثريةَ حياتها مع الوقت بعيداً عن الرغبة الوطنية بالتحرر و نحو الرغبة الغريزية للبقاء لكن كيفما كان حال البقاء. و لا ملامةَ هنا لمن يريد حياةً و هو قد رأى آلاف الشهداء غادروا دون نتيجة. إننا في عالمٍ عربيٍّ يتخبط فيه الحق و الباطل و ينتصر فيهِ الباطلُ علي كل حقٍّ مع المعضلة الأساسية أن تعريف الحق و الباطل كما يُقال هو في بطن الشاعر. 

 

أكيدٌ أن كل عربي ينظر لمحيطهِ المباشر. هكذا هم البشر عموماً لدرجة أن الإيثارَ و التصدي للمظلمة هي قصصٌ يستشهد الناس بها من باب التسلية لأنها الاستثناء أما القاعدة فهي الانانية و التخلِّي. و أكيدٌ أن كل بلدٍ عربي فيهِ ما فيهِ من مشاكل و فرص وطموحات تجبر الحكومات والشعوب أن تنظر للحيز الضيق من همومها وآمالها. و طبيعي في هذا المسار أن تتراجع الهموم العربية، و الطموحات العربية، عبر الحدود، إلا فيما ندرَ.  كل هذا طبيعي. و كلهُ خرج للملأ بعد سلاسل الصلح المنفرد و كارثة غزو الكويت ثم تكسير العراق و سنوات الجزائر العجاف في مرمى التطرف، ضمن سلاسل الكوارث العربية.  كلها جعلت كل دولة و شعب يقول "أنا أولاً و من بعدي الطوفان".  و الطوفان أتى للبعض في الربيع العربي وكشفَ عن نفوذٍ غريبٍ متصاعدٍ يقوده المال السياسي العربي عندما اتفق المال مع الهويات القُطرية الضيقة والإقليمية غير العربية المتوسعة و انخلقت الشراذم و التحالفات و تقسمت بلادٌ أو أُركِعت تحت وطأة العازة.  

 

المتابع لبلادنا بلداً بلداً يكتشف أن نزعة "أنا و من بعدي الطوفان" و التطبيع قاما على قاعدة تحقيق سلامٍ و رفاهيةٍ. قبلها كل العرب القادرين و متواضعي الدخل تغنوا بالتضحيات للعرب غيرهم لكن التضحيات في نظرهم فشلت و صاحبها نكران الجميل. و لأن "التضحيات" و العمل العربي الجماعي ثم الثورانَ شعبياً ربيعياً وبعده التشرذمَ مناطقياً كلها لم تؤتِ أُكُلاً مقنعاً، تلجأُ العرب للأنانية المكررة ثم الأدهى و الأنكر تلجأ للتطبيع.  لكنها رغم هذه الانانية رغبةً في الرفاهِ بلادٌ تئنُّ تحت ثقل الديون و انهيار العملات، و بلادٌ تحت مطارق الفساد و بلادٌ تحت المخدرات و بلادٌ ترى شعوبها أقليات في بحارَ آسيوية و أوروبية و بلادٌ فيها الحروب الأهلية و بلادٌ يذوب فيها الكريم خجلاً من التطبيع و رؤيةِ الصهيوني في شوارع مدينته. في كل بلدٍ خزينٌ من المخاوف و الرغبات و من فينا عرباً من لم تلدغهُ هذه المخاوف و الرغبات؟ لكن اللدغةَ الكُبرىٰ هي في نسيان أن فلسطين بكاملها محتلة وأن السلام مع محتلها طبيعي.  

 

كونوا أيها العرب ذاتيين أنانيين في كل شأنكم عدا أن الصهيونية عدوتكم و أن فلسطين لكم.  كونوا كهؤلاء السباع الذين أركعوا و مرمغوا الصهيونية في التراب فجر السابع من أكتوبر ٢٠٢٣. كونوا يا أيها العرب دماً ثائراً لأقصاكم. كونوا فجراً للنصر معهم. لأنكم بغير النصر لا تكونوا و لو تكومت لديكم أموال قارون.

 

Previous
Previous

الدم البارد و الشجرة

Next
Next

التاريخ غدَّار