العرب و الكوارث
كان اللهُ في عون المغرب و ليبيا اللذين تعرضا لغضبِ الأرض صخوراً و مياهاً. إن موت الآلاف في لحظاتٍ حدثٌ مرعبٌ قد عاودنا مراراً هذه الأيام منذ زلزال سوريا و تركيا. التفسير الإلهي أكبر منا و لا يجب الخوض فيه. و التفسير الجيولوجي و المناخي ممكنٌ و علميٌّ لكنه لا يعيد ميتاً و لا يواسي ناجياً فقدَ أهلاً و عشيراً. و ليس من الشهامة كذلك رمي اللوم على الحكومات فقد رأينا أعاصير كاسرة في بلادٍ متقدمة تعيثُ فساداً غير مسبوق. العبرة فيما ستفعله الحكومات لمستقبلٍ يبدو مُنذراً بالكوارث الطبيعية بمنطقتنا. ليس فحسب لتهيئة البنية التحتية بل بُنْيَةَ إعادة الإعمار وإنشاء نظامَ أمنٍ مجتمعي لما قبل و خلال و بعد الكارثة. قبل سنوات ببداية الألفية الثانية حاولنا، في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي كنت أمثلهُ في سوريا، ريادةَ مشروعٍ لربط مؤسسات الدفاع المدني والطوارئ المرتبطة بالكوارث الطبيعية بين سوريا والأردن و لبنان و فلسطين و تركيا. و إذ بدأنا الخطوات الأولى لم نستطع أن نكمل المشروع للبرودة السياسية له. لكن كوارث الطبيعة لا تعرف حدوداً و لا يوقفها حرس و الأجدى تكاملٌ عربيٌّ و تنسيقٌ لمواجهةِ الكوارث الثقيلة. الأمم المتحدة هي ضمن مؤسساتٍ تعني بما يدرأ أخطار الكوارث الطبيعية و قد نجحت في التعاون مع الحكومات في شرق آسيا لخلق منظومة إنذار مبكر في حالة المَدَّ الجائر "التسونامي" في البلاد المعَرَّضة لهذه الموجات. و بلا شك فإن التعاون الدولي حثيثٌ لمراقبة حركة المناخ و توقع آثاره لكن منظومة الإعداد و التهيئة تبقى أضعفَ و أبطأَ مما يتوقعه و يريده المواطن المكلوم بالكارثة. و هذا حالٌ طبيعي علي أن تتحرك المنظومة بعد الصدمة الأولى بكفاءةٍ منقذةً للحياة. و هذا يتطلب تمريناً متواصلاً و تخزيناً للآليات و الأغذية و الماء و الدواء و تجهيزات السكن المؤقت و العيادات الطبية و التعامل مع الوفيات و ضبط الأمن و كلها جزءٌ حيوي من إدارة الأزمة. البعد الإنقاذي ليس الوحيد في تبعات الكوارث مباشرةً و يتبعها أبعادٌ مجتمعية عاصرتها الدول المبتلاة بالكوارث. تشرد الأطفال و ضياع تعليمهم أو استغلال العازة لرفع الأثمان و الابتزاز و الاعتداءات الجسدية أو الجنسية و هي مما يجب أن يكونَ ضمن مهام الوقاية للمنظومة. الهدف الأساسي الأولِّي هو بث العون الإسعافي المنقذ للحياة بأنواعهِ و الهدف الأساسي الثاني هو إعادة الأمل بعودة الحياة لطبيعتها رغم الآلام.
نحن عند وقوع الكارثة نرى تجاوباً من الدول و المنظمات و الأفراد لتقديم العون الآني و هذا بالتأكيد مطلوبٌ و مرحبٌ به. لكن تكدس المواد و توافد الفرق لن يكون سهلاً و فاعلاً دون وجود إدارة أزمة محلية توجه الآتي من مساعدة و تنجح في إيصالهِ للمنكوبين في الوقت الحرج. بغياب هذه الإدارة يزداد ثقل المأساة على المكلومين و على السلطات و المتبرعين و تشيع الأحاديث اللائمة و الجارحة عن التقصير و تتسبب في كثيرٍ من الأحيان بشعورٍ بالغضب والنقمة.
أرى أن المطلوب عربياً هو خطط قابلة للتنفيذ في كل بلدٍ عربي لمواجهة الكارثة أيَّاً كان مصدرها الطبيعي و بين البلدان العربية اتباع خطةٌ مشتركةٌ لجهودٍ منسقةٍ للتحرك لمساعدة المنطقة المتأثرة ضمن اتفاق على مسؤولياتٍ موزعة بين هيئات الإغاثة العربية. ليس أمراً صعباً بل أمرٌ مُلِّحٌ بالنظر لازدياد و تواتر الكوارث الطبيعية مع احترار كوكبنا المتسارع و التبدل الملحوظ بمناخه و الأعداد الكبيرة من المصابين كما رأينا في سوريا و المغرب و ليبيا. إنها دعوةٌ للتنسيق العربي الإنساني بعيداً عن الحزازات السياسية، لأجل الإنسان و الإنسانية.