المواطن والسياسات الكبيرة
إن نقطة الالتقاء بين المواطن و السياسات الكبيرة لوطنه هي عند ممثليه الذين شارك بانتخابهم بممارسةٍ ديموقراطيةٍ. أيَّاً كانت درجة التمثيل فهي التي يُثني عليها أو يُحاسبها المواطن بالانتخابات القادمة أو بالإعلام و إبداء الرأي الحر أو باللجوء للاعتصام و التظاهر و الإضراب. و قد تجنح للعنف كذلك. المهم أن المواطن يضع ثقته بحزبٍ أو سياسي منفرد ليمثله و هو بذلك يعطيه تفويضاً للاطلاع على دقائق أمور ليست مُتاحةً للمواطن نفسه و لكنها ضروريةٌ للمسؤول المنتخب و المعين لإدارة شؤون الدولة. هذا تبسيطٌ للعلاقة التي تشوبها كثرة الاعتقاد بمعرفة المواطن ببواطن السياسات و القرارات التي تتخذها الحكومات استناداً على ما تعرفه الحكومة و يجهله المواطن. لا ينفي هذا مطلقاً حدس المواطن و استنتاجه الصحيح عن السياسات الضارة و لكنه لن يعلم حقيقةً لماذا صيغت لأن مكونات القرار غائبةٌ عنه لكنه يعيش أثرها و نتائجها. بهذا و مع التراكم ينزعُ للاعتراض و التشكيك بممثليه أو الحكومة و يطالب بتعديل مسارها أو رحيلها.
الأمثلةُ الأردنية كثيرة. من تسعير الوقود والطاقة للضرائب والجمارك والقطاع الصحي و التعليمي. و المثير فعلاً هو تنازع الرأي الإعلامي من الخبراء و من الممثلين المنتخبين و المسؤولين المعينين حول الظواهر والأسباب. لا يوجد بينهم تلاقٍ حولها يُقنعُ المواطن بحُسْنِ عملية أخذ القرار و عدالتها. بل أن الجدال يطال تفاصيل متضاربة و يصل بالمواطن لاستنتاجٍ يقترب من نظريةِ المؤامرة. يقع المواطن هنا رهيناً لما يسمع و يقرأ و ينتهي فعلاً و كما نرى بالابتعاد عن تصديق ممثليه المنتخبين و الحكومة و التمسك بالمؤامرة كسببٍ وحيد لسوء سياساتٍ من وجهة نظره. و تذوب ثقتهُ بمجلسه المنتخب والحكومة مع كل جدلٍ يقود لتصرفاتٍ غير مقبول مثل الشجار و تبادل السباب، أو الكشف و الحكم المحكمي على قضايا فساد. كما يعقد المواطن مقارناتٍ متعددةٍ و متشابكةٍ بين واقع حياتهِ و واقعٍ لبلدان أُخرى و يميلُ باستمرارٍ لنقدٍ لاذعٍ لبلده و للحضِّ على التخلِّي عنها.
هناك خندقٌ عظيمٌ بين المواطنِ و معرفتهِ و بين مؤسسة الدولة و معرفتها الأَدق. يعيش المواطن نتيجةَ قرارتٍ فيحكم عليها بالنتيجة و يجهلها بالتفصيل. و هذا تعبيرٌ لمأزقٍ تعيشهُ كل الدول و لا يقتصرُ على الأردن. كيف تُوصِلُ المجالس المنتخبة والحكومة مواطنيها لتبني سياساتها بمشاركتهم التي لا تقتصرُ على اجتماع مجلس نواب أو حكومة؟ بعض الممارسات المتبعة تتضمن لقاءاتٍ و حواراً مفتوحاً و مشاركةً جديةً بين المؤسسات المنتخبة و المعينة و المواطنين بأفرادهم أو أُطُرِهم مثل الاتحادات و النقابات. و بمثل هذه اللقاءات تتوسع المعرفة و قد يتقبل المواطن ما سيأتي من قرارات و سياسات. و حتى إن لم يتقبلها فعلى الأقل هو كان طرفاً بنقاشٍ قد يؤدي به لمعارضةٍ أكثرَ إيجابيةً من تبني نظرية المؤامرة.
أُقِرُّ أن الالتقاء بين المواطن و السياسات الكبيرة ليس سهلاً و أن المواطن سيستمرُ بالتشكك. و أَحسَبُ أنَّ المواطن يبني الشك على ظواهرَ الحياة اليومية. و لربما لو اتجهت السياسات والقرارات النيابية و الحكومية للمساس الإيجابي بتحسين الخدمات الأساسية للمواطن و بإشراكه بممارسة أخذ القرار و إن لم يكن القرار على كاملِ هواه لرأينا انحساراً بموجة التشكيك و نظريات المؤامرة المتداولة بكثرة.