للعدالةِ طريقان
كل واحدٍ من هؤلاء و إداراتهِ شريكٌ صهيونيٌّ في المذبحة و علينا التشهير بهم و محاكمتهم. لم يتوقفوا عن المدد الشيطاني لآلة سفح الدم الفلسطيني و اللبناني و السوري لأن كل ما يخرج من بلادهم من دعمٍ مادي و سياسي للصهيونية تستخدمه الصهيونية للقتل. و رأس العصابة يقبع في واشنطن و هو الذي لا يتردد في تصديقِ الصهيونية و لو كانت كذبتها بحجم بلاده و تكذيب الصورة الحقيقية لأفعالها المشينة و لو كانت الحقيقة بحجم وسطوع الشمس. حتى بني جلدتهِ باتوا يطلقون عليه اسم عميد الإبادة. و البقية ممن في القائمة هم من وراءهِ، الأذناب أو العبيد، الذين يستجدون رضا الصهيونية و سعادة راعيتها و لا يترددون هم كذلك في قلب الحقيقة و تزويرها لتبرير الجريمة الصهيونية منذ خُلِقت "إسرائيل". حتي الإِمَّعة الأوكراني لم يسكت و انتفضَ دفاعاً عن الصهيونية. منذ بدأَ العدوان انخفض معدل توريد السلاح و الذخيرة لأوكرانيا فهي ذهبت للصهيونية من الناتو و أمريكا. هذا هو حجمهُ عندهم و حجمَ الصهيونية التي يتمسح بأقدامها ليعيش. و ماكرون يُبدي القلق من ارتفاع عدد "القتلى" المدنيين في غزة. فرنسا التي جمعَت زعماء العالم في يناير ٢٠١٥ ليستنكروا في مسيرة مليونية حدثاً إرهابيا بفرنسا قُتِلَ فيهِ ٢٠ شخصاً فهَيَّجَت الدنيا لمناصرتها و كان محمود عباس و النتن ممن مشوا استنكاراً و حزناً. فكم مدنياً يجب أن يموت في غزة ليستيقظ ضمير فرنسا؟
لكن كيف نحاكمهم و نُشَّهِرَ بهم نحنُ المواطنين؟ بالمقاطعة، قدر المستطاع. و هي السلاح المتاح للمواطن. نقاطع منتجاتهم. نقاطعُ السفر لدولهم. و ندحضُ حججهم و نكتبُ بكل صراحة ضدها و نعلن لمواطنيهم فظائعهم. و نلاحقهم بالقضاء.
المقاطعة كانت واحداً من الأسلحة المُهابة عندما كان العرب ملتزمون بها و انهارت مع اتفاقيات السلام الذي أتى بالانفتاح المعيب على صناعاتٍ وتجارةٍ لها في الاقتصاد الصهيوني ليس فقط أفرعاً و استثماراً و لكن دعماً مالياً مباشراً و مُتعمَدَّاً للاستيطان و للإعلام و حتى للتسليح. المقاطعة سلاحٌ متاحٌ و سهلٌ بيد الشعب و هو سلاحٌ للصناعات الوطنية التي ينبغي لها أن تحل محل المنتجاتِ المُقاطعة. بالطبع لن يكون سهلاً و لا مُتاحاً مقاطعةَ الكثير من المنتجات و العلاقات لكن المقاطعة تُجدي في إعطاءِ الدرس و ثني اليد و الانصياع لإرادةٍ شعبية، خاصةً مع الخسارة المادية جراء المقاطعة. لكن المقاطعة الشعبية تبقى ضعيفةً دون إحياء المقاطعة الرسمية و إحيائها بالغ الصعوبة دون إجماعٍ عربي و المقاطعة بالشقين الشعبي و الرسمي مطلوبةٌ، و الشعبيةَ منها حافزٌ للرسمية بلا شك. و لا شك كذلك أن الضغط الشعبي على الحكومات قد يُقنع هذه الحكومات بممارسة المقاطعة رغم استهزاءٍ مًخْزٍ من وزيرٍ للنفط بهذا السلاح.
و لن نستطيع أن نُشْهِرَ حملةً في وسائل اتصالٍ تتحكم فيها الصهيونية مباشرةً و مواربةً. قد نكتب بلغتنا لبعضنا البعض و لن يكونَ هذا مُجدياً. يجب أن نكتب بلغتهم و بالرمز و بالصورة للنفاذ للعقول و العواطف. سيكون صعباً اختراق إعلامهم و وسائل اتصال يسيطرون عليها لكنه ليس مستحيلاً. يجب أن نستطيع. يجب خلق وسائل عربية موجهةً للصهاينة و الغرب. الصعبُ ليس مستحيلاً، و قد يكون النفاذ عبر الوسائل المُتاحة بالحد الأقصى الممكن دون الحد الذي يوصلُ لوقف الحسابات هو ما نستطيعه لغاية خلق الوسائل العربية. إنها دعوة لمن يحترف و يعلم كيف تؤسس وتُدار مثل هذه الوسائل. و الأدهى هو كيف تنقلها وهذه الشبكة بأليافها الضوئية و مخازنها المعلوماتية مملوكةٌ بالكامل لمؤسسات تدين للصهيونية؟ إننا بين مخالب هذه المؤسسات فعلاً و إن كان "إيلون مسك" يقاوم الضغوط للحد من المحتوى المعادي للكذب الصهيوني فهو أعلن أن كتابة "من النهر للبحر" هي في عداد ترويج الإبادة و أنه سيوقف حساب من يكتبها. لذا يجب التفكير و التحايل على هذا الاحتكار الذي يهدد بفصل كل من يتكلم ضد الصهيونية. إنها دعوةٌ جادةٌ للتعامل مع هذا الواقع على أنه التحرر من الاستعمار الجديد.
و إن أتى إعلان محامين فرنسيين للترافع بحق الفلسطينيين خبراً مشجعاً لا نعلم مدى صدقيته وجديته فيجب التعامل معه وفهم مراميه و التعاون معه إن كان في صالحنا. المطلوب هو رفع الدعاوى القضائية بشكلٍ متواترٍ ليس فقط في المحاكم الدولية و لكن في المحاكم المحلية ضد كل من يدافع عن حق الصهيونية في قتل الفلسطينيين. و هذا هو دور المحامين العرب بالتعاون مع المؤيدين للحق العربي في العالم.
و ليس هناك ما يمنع من تمويل حملاتٍ إعلاميةٍ إعلانيةٍ ذكيةٍ في عرضها ضد الصهيونية. و لقد ظهر شبابٌ عربيٌ عرضوا وجهة نظرهم بكفاءةٍ جذابة للرأي العام و يجب الاستثمار في قدراتهم.
كل هذا يتطلب تمويلاً. فهل هناك "روتشيلد" عربي؟
نترك هذا السؤال حائماً و حائراً و نتجهُ لواقع غزة الآن و ما بعد الحرب. سنتكلم عن الإنسان الغَزِّي. من سيعول الأطفال الذين فقدوا أهلهم؟ و هم من جميع الفئات العمرية و احتياجاتهم كثيرة و طويلة الزمن؟ من سيبني المنازل التي تحطمت؟ من سيعيد بناء و تجهيز المستشفيات؟ المدارس و المرافق؟ من سيعيد غزة لما قبل الحرب هيكلاً علي الأقل؟ أما النفوس التي ارتعبت و فقدت و تشردت و مرضت فمن لها و كيف؟ المعضلة ليست في توفير خيمة و وجبة و دواء لكنها في علاج النفوس التي عانت و ستعاني وفي تربية جيلٍ فقد السند العائلي و أصبحت حياته خواءً و كوابيسَ من الخوف من الضياع. هل سنرى مؤسسةً فلسطينيةً أو عربيةً تتولى حمل هذه المسؤولية؟ ليس بالصدقات والزكوات بل بالوقف المتجدد والرعاية الكاملة.
إن نكبة غزة، و هي نكبةٌ مهما حاولنا أن نتقبلها انتصاراً، نكبةٌ إنسانيةٌ في الدرجة الأولى. كانت قبل العدوان و تستمر بعده بأقسى وأشد مما كانت عليه. و هي النكبة الجريمة التي صادق عليها كل من هم في القائمة الحمراء أعلاه. هم أصل الإبادة و عنوانها.
في خطين متوازيين ينبغي أن نسير: خط إدانتهم و معاقبتهم من خلال الإعلام و القضاء، و خط عون أهلنا في غزة. نريد وقفين، واحدٌ للمحاكمة و آخرَ للحياة. ففي القصاص حياةٌ يا أولي الألباب.