تطوير الخدمات الحكومية

لا بد من زيارة هذا الموضوع بهدفِ خلقِ دستورٍ واضحٍ يحكمُ أخلاقيات العمل، خاصة الخدمي الحكومي.

 

من غيرِ المعقول في الوقت الذي تبذل الدولة فيه جهوداً مختلفةٍ للتحول الاقتصادي أن تبقى آلية العمل الخدمي الحكومي في بعض القطاعات و في بعض المناطق محكومةً بهذا المشهد غير المشجع: موظفون متكاسلون؛ دخان سجائر تحت لافتة منع التدخين؛ و نصف أو ربع تجاوب مع سؤال و حاجة المراجع. و إن أردتَ، فمجاملةٌ غير مطلوبة و لا مرغوبة. والنتيجة الحتمية هي تقطيعُ وقت و جهد المراجع في غُدُوٍّ و رواح بين الموظفين و المدير و دوائر أُخرى لجمعِ التواقيع و الأوراق اللازمة. و غريبٌ فعلاً أنه في حين صارَ واقعاً مُرحباً به الدفع الإلكتروني عبر "فواتيركم" فلا يوجد نظامٌ واحدٌ يلتقطُ الأوراق المطلوبة من الفضاء الحكومي الإلكتروني الذي يحتوي معلومات المواطن الشخصية و الضريبية و ما يتعلقُ بالملكيةِ ويمكنه و الموظف من إنهاء التعامل من زيارةٍ واحدة. و إن كانَ هذا الإلتقاطُ عبر النافذة الواحدة متعذراً، فكيف لا يتم تحديثُ مجموعة الأوراق الرسمية المطلوبة و نشرها لتمكين المراجع من الحصول عليها قبل مراجعته؟

 

عندما أراجعُ لتجديدِ وثيقةٍ معينة ببعضِ المكاتب الخدمية ألاحظُ قِلَّةَ صبر الموظفين، وطوعةَ الطلبُ لجلبِ أو لتحديث أوراق رسمية أو تصويرها. و بالإضافةٍ، فإن نبرةَ الموظف مع المراجع تفتقرُ أحياناً للكياسةِ و تقترب من النهر والزجر بلا اعتبارٍ لمكانة الإنسان. و ألاحظُ كذلك فوضى المراجعين و شكواهم أو حتى تهكمهم بِحَقٍّ و بدونهِ مما يُوَلِّدُ متوالية انعدام ثقة و احترام لا تخدم الحاجة للتحول للكفاءة و الجودة. و الحقيقة أنني أتمني وجود هذا الراصد الخفي الذي يتولى تقييم الخدمات و الذي شاع ذكره و اختفى أثره.

 

إن المطلوب بالإضافةِ للرقابة هو زجُّ الموظفين بدوراتٍ تدريبيةٍ متخصصة حول التعامل مع المراجعين و التمكين الإلكتروني لإنجاز الوثائق عبر نافذةٍ واحدة و يا حبذا لو يتمُ هذا من أي مركزٍ خدمي حكومي بالمملكة بغض النظر عن مكان سكنك.

 

قد يرى البعض قسوةً في هذا الوصف و في أنه لا ينطبقُ على الجميع، لكنهُ وصفٌ حقيقيٌ لتعاملٍ يلمسه المراجع و لا يُمكنُ إنكاره. معظم المراجعين لا يملكون واسطةَ إنجاز المعاملات بأشكال التوسط ليبتعدوا عن هذا السلوك و التطويل غير المبرر لإنجاز معاملاتهم، وعليهم أن يتعاملوا مع الموظفين مباشرةً مما يستدعي مِهَنيةً عادلةً من قبل الموظف و حُسنَ طلبٍ من المراجع. هذا التبادل في المنفعة العامة بات يستوجبُ تفهيماً مؤسسياً للموظف و تفهيماً مجتمعياً و إعلامياً للمواطن.

 

أذكر تجربتين مع سفارةٍ الأردنية بالكويت و كانت من الدول المكتظة بالأردنيين في الثمانينات. الأولى مريرة من تكدس المراجعين و تأفف الموظفين مما كان يجعل مجرد التفكير بمراجعةِ السفارة هَمَّاً ثقيلاً و الثانية حين أتى سفيرٌ أعاد للمراجع و الموظف كرامةَ و هيبةَ التعامل المحترم فأصبحت زيارة السفارة سلسةٍ رحيبة و كان السفيرُ يحرص على التواجد لتتبع الأعمال.

 

كل دائرةٍ خدميةٍ حكومية هي بمثابةِ السفارة أي أنها عنوانٌ للبلد و أداءها العام. و مع التحديث المرحب به الذي لمسناه في كثيرٍ من الخدمات الحكومية فإن جانب التعامل البشري المباشر و جانب المتطلبات الوثائقية يبقى بحاجةٍ للتحديث و التطوير.

Previous
Previous

بين الشرق والغرب

Next
Next

جرائم الشارع