وصل السيل الزبى
لم يشهد العالم و لفترة طويلة مثيلاً لهذا الغليان و الاقتراب من حواف حفر النزاعات العميقة. أينما نظرت ستجد نزاعاً غارقاً في التعقيد و جاهزاً للتصعيد بأطراف تبدو غير عابئة بتبعات فرط الحماس لفرض الرؤية المصلحية لكل منها. تتصارع الدول لحماية مصالحها و التهام الآخر. و الأسباب متعددة قديمة و حديثة فهي مزيج من تنافس على الجغرافيا الحدودية و الثروات الطبيعية و ثورة أو كتم ثورة الأعراق و الأطياف والانتماءات الدينية المتداخلة. و هي أيضاً و رئيسياً التسلط الاستعماري المتمدد دوماً من وراء البحار الذي يأتي بكل العوامل السابقة و يمزجها صهراً عنصرياً ليكون حالةً فريدةً من التسيد على الشعوب. إننا في عالمٍ يغلي على وقع عذابات الماضي والخوف من القادم. القادم المرعب للشعوب من عالمية المرض و الجوع و العطش و انهيار المنظومات البيئية في الأرض إلى الحد الذي لم تعد فيه فكرة غزو الكواكب و استعمارها ضرباً من الخيال العلمي بل واقعاً تخطط له المؤسسات لنقل بني البشر من رعاياها للكواكب بادئةً الاستعمار الفضائي و مُعلنةً خواء الأرض بالتدريج.
ليس هذا تهريفاً. القفزات البشرية التقنية تتضاعف سنوياً. قبل مائة عام أطار الإخوة رايت هيكلاً معدنياً و اليوم أطار أحفادهما في ناسا الأمريكية طائرةً سمتيةً في فضاء المريخ. فماذا نتوقع بعد مائة عام إن كانت البشرية إنتقلت من هيكل طائرة لطائرات مقاتلة و قاذفة للقنابل النووية في أقل من خمسين عاماً و خرجت من الفضاء الأرضي للفضاء السماوي الأبعد في الخمسين الثانية و في أقل من ثلاثة عقود ها هي ترسم حدود مستعمرات في المريخ؟!